باول يفتح الباب أمام خفض الفائدة في سبتمبر وبيتكوين يقفز مجدداً

رئيس المركزي الأميركي يفتح الباب لخفض الفائدة دون تعهد واضح
رئيس الفيدرالي يترك الباب مفتوحاً أمام خفض الفائدة

أحدث خطاب جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، في منتدى جاكسون هول ضجة كبيرة في الأسواق المالية العالمية.

فبينما كان المستثمرون يترقبون نبرة متشددة، جاء حديث باول بمثابة مفاجأة، حين أشار بوضوح إلى أن خفض أسعار الفائدة قد يكون مطروحاً على الطاولة اعتباراً من سبتمبر المقبل.

هذه الإشارة لم تمر مرور الكرام، حيث أشعلت موجة من التفاؤل في الأصول عالية المخاطر مثل بيتكوين والأسهم، وأعادت رسم المشهد الاستثماري في لحظات قليلة.

بيتكوين، الذي كان يعاني من ضغوط متزايدة خلال الأيام السابقة، التقط الإشارة سريعاً وقفز بأكثر من 2 % ليستقر حول 115,000 دولار.

لم يكن هذا التحرك معزولاً، بل انعكس على مؤشرات الأسهم الأمريكية، والذهب، وحتى على السندات الحكومية، فيما شهد الدولار تراجعاً ملحوظاً.

هذه التفاعلات المتسارعة تعكس بوضوح حساسية الأسواق تجاه السياسة النقدية الأمريكية، وتؤكد أن تصريحات الفيدرالي تبقى العامل الأكثر تأثيراً في اتجاهات المستثمرين.

لكن، خلف هذا الارتداد المفاجئ تكمن تساؤلات جوهرية: هل نحن أمام تحول فعلي في مسار السياسة النقدية؟ أم أن تصريحات باول مجرد تذكير بأن الاحتياطي الفيدرالي لا يزال مرناً في تعاطيه مع التحديات الاقتصادية؟ هذه الأسئلة ستظل عالقة إلى أن تتضح البيانات الاقتصادية المقبلة، خصوصاً تلك المتعلقة بالوظائف والتضخم.

انعطافة غير متوقعة في جاكسون هول

فاجأ جيروم باول المستثمرين بنبرته الجديدة في منتدى جاكسون هول. فخلال الأيام التي سبقت الخطاب، كان التوقع السائد أن يتمسك الفيدرالي بموقف حازم تجاه التضخم، وأن يؤكد استعداده للإبقاء على معدلات الفائدة مرتفعة لفترة أطول.

غير أن الواقع جاء مختلفاً، إذ أقر باول بأن المخاطر على سوق العمل في ازدياد، وأن استمرار هذا الاتجاه قد يضر بالاقتصاد بشكل عام.

إشارته إلى "المخاطر المتزايدة على التوظيف" فسرت على أنها بداية لتغيير استراتيجي في السياسة النقدية، حيث بات الفيدرالي يعطي وزناً أكبر لاستقرار الوظائف مقابل معركته الطويلة مع التضخم. هذا التغير في الخطاب مثّّلا مفاجأة حقيقية، خصوصاً أن الأسواق كانت قد استعدت لرسالة أكثر تشدداً.

ولعل العنصر الأهم هو التوقيت. فحين يتحدث رئيس الفيدرالي عن خفض الفائدة المحتمل في سبتمبر، فهذا يفتح المجال أمام المستثمرين لإعادة تقييم توقعاتهم، ويشجعهم على العودة إلى الأصول عالية المخاطر مثل بيتكوين والإيثريوم. هنا يتضح كيف أن السياسة النقدية لا تؤثر فقط على وول ستريت، بل تمتد مباشرة إلى عالم الكريبتو.

كما أن حديث باول أرسل رسالة مزدوجة: فمن جهة أكد أن الفيدرالي لا يزال يقظاً لمخاطر التضخم، ومن جهة أخرى أشار إلى استعداده للتكيف مع أي تباطؤ اقتصادي محتمل. هذه الموازنة الدقيقة بين الحزم والمرونة هي ما يجعل كل خطاب لباول حدثاً استثنائياً يتابعه المستثمرون عن كثب.

ردة فعل الأسواق: بيتكوين يقود الموجة

الأسواق المالية استجابت فوراً لرسائل جاكسون هول. بيتكوين كان أول من تحرك، حيث ارتفع بأكثر من 2 % ليعود إلى 115,000 دولار بعد أسبوع عصيب من التراجع.

هذا الارتفاع عزز الثقة لدى المتداولين، الذين رأوا في كلام باول الضوء الأخضر لمرحلة جديدة من شهية المخاطرة.

ولم يتوقف الأمر عند بيتكوين. الأسهم الأمريكية التقطت هي الأخرى هذه الإشارات، حيث صعدت المؤشرات الرئيسية بأكثر من 1 %.

أما الذهب، الملاذ الآمن التقليدي، فقد استفاد أيضاً من توقعات خفض الفائدة، مسجلاً مكاسب تجاوزت 0.6 %. وفي المقابل، تعرض الدولار لضغوط قوية وفقد نحو 0.5 % من قيمته أمام سلة العملات الرئيسية.

السندات الأمريكية، وتحديداً سندات الخزانة لأجل عشر سنوات، شهدت تراجعاً في عوائدها إلى حدود 4.27 %. هذا الانخفاض يعكس مباشرة تزايد توقعات المستثمرين بخفض الفائدة، ما يجعل الأصول ذات العائد الثابت أكثر جاذبية.

هذه الحركة المنسقة بين مختلف الأصول تؤكد أن السياسة النقدية الأمريكية لا تزال المحرك الأساسي للأسواق. فعندما يلمّح الفيدرالي إلى تخفيف قبضته، تعود شهية المستثمرين إلى المخاطرة بسرعة، ويصبح الكريبتو أحد أبرز المستفيدين.

الأسبوع الأسود قبل خطاب باول

قبل خطاب جاكسون هول، كانت الصورة قاتمة تماماً. بيتكوين، الذي تجاوز 124,000 دولار بدعم من التوقعات المتفائلة بخفض الفائدة، دخل في موجة هبوط حادة بعد أن تراجعت هذه الاحتمالات إلى 69 % فقط.

هذه المستجدات دفعت العملة إلى التراجع نحو 112,000 دولار، مسجلة خسائر قاربت 10 % في غضون أيام قليلة.

الأسواق بأكملها عاشت حالة من التوتر والشكوك. المتداولون تخلوا عن جزء كبير من مراكزهم في الأصول عالية المخاطر، في انتظار إشارات أوضح من الفيدرالي. وكان واضحاً أن أي كلمة من باول قد تقلب الطاولة رأساً على عقب.

وبالفعل، ما إن تحدث رئيس الفيدرالي حتى انقلبت التوقعات مجدداً، لترتفع احتمالات خفض الفائدة إلى 90 %. هذا التحول المفاجئ كان كافياً لإعادة الزخم الصاعد إلى بيتكوين والأسواق التقليدية.

هذا السيناريو يوضح هشاشة ثقة المستثمرين، وكيف يمكن لتصريحات الفيدرالي أن تحرك تريليونات الدولارات بين الأصول في غضون دقائق. بالنسبة للمستثمرين في الكريبتو، يبقى هذا عاملاً حاسماً لا يمكن تجاهله.

الإيثريوم وبقية الأصول: عودة سريعة

لم يكن بيتكوين وحده المستفيد من خطاب باول. الإيثريوم، الذي كان يعاني من تصحيح قاسٍ بنسبة 12 % خلال أسبوع واحد، التقط أنفاسه سريعاً وقفز بنحو 8 % خلال ربع ساعة فقط، ليعود فوق مستوى 4,600 دولار. هذا الصعود المفاجئ أعاد الأمل للمستثمرين الذين كانوا على وشك الاستسلام لضغوط السوق.

الأسواق التقليدية بدورها التقطت هذا الزخم. مؤشر ناسداك، الذي يعد مرآة لشهية المخاطرة في أسهم التكنولوجيا، ارتفع بنحو 2 % بعد أسبوع من الخسائر.

هذا التحرك يبرهن على أن أي تلميح لسياسة نقدية ميسرة يعيد ضخ السيولة باتجاه القطاعات الأكثر حساسية للتكاليف التمويلية.

من جهة أخرى، أظهر الذهب مرونة واضحة، حيث استفاد من توقعات خفض الفائدة ليضيف مزيداً من المكاسب، مؤكداً أنه يظل وجهة جذابة حتى في ظل عودة "المود ريسك".

أما الدولار، فقد دفع الثمن، متراجعاً أمام العملات الرئيسية بفعل فقدان جاذبية العوائد الأمريكية.

هذا التفاعل المتعدد الاتجاهات يكشف عن ترابط وثيق بين الأسواق التقليدية والعملات الرقمية، حيث باتت كلها تتحرك وفق الإشارات القادمة من واشنطن.

ماذا بعد؟

رغم الارتياح الذي خلفه خطاب باول، فإن المشهد لا يزال مليئاً بالضبابية. فالفيدرالي لم يتخذ بعد قراراً رسمياً بخفض الفائدة، وكل شيء يبقى مرهوناً بالبيانات المقبلة، خصوصاً تلك المتعلقة بسوق العمل والتضخم. أي مفاجأة غير متوقعة قد تدفع الأسواق إلى تصحيح جديد، وربما أكثر حدة.

بيتكوين والعملات الرقمية الأخرى تظل الأكثر حساسية لمثل هذه التطورات. ففي حال أكدت الفيدرالي توجهه نحو التيسير النقدي، قد نشهد موجة صعودية جديدة تدفع بيتكوين نحو قمم تاريخية.

لكن، في المقابل، إذا تراجعت التوقعات مجدداً، فإن الأسواق لن تتردد في العودة إلى نمط البيع السريع.

الأمر المؤكد أن المستثمرين باتوا يدركون أن السياسة النقدية الأمريكية هي البوصلة الأساسية. هذا الإدراك يجعل الترقب سيد الموقف، ويزيد من تقلبات السوق مع كل خطاب أو بيان رسمي.

خطاب باول في جاكسون هول كان بمثابة شرارة أعادت إحياء التفاؤل في الأسواق المالية والرقمية على حد سواء.

وبينما لم يتم اتخاذ قرار فعلي بخفض الفائدة بعد، فإن مجرد الإشارة إلى هذا الاحتمال كانت كافية لدفع بيتكوين فوق 115,000 دولار، ولمنح الأصول الأخرى دفعة قوية.

لكن، لا يجب أن نغفل أن هذه التحركات تقوم على أساس هش من التوقعات والتأويلات. فالواقع أن الفيدرالي لا يزال يقاتل التضخم من جهة، ويحاول تجنب ركود اقتصادي من جهة أخرى.

هذه الموازنة الصعبة ستبقي الأسواق في حالة ترقب دائم، حيث أي كلمة أو رقم قد يغير المسار بالكامل.

في النهاية، يمكن القول إن باول لم يمنح الأسواق يقيناً بقدر ما منحها "أملًا مشروطاً". وهذا الأمل وحده يكفي لإشعال موجة جديدة من المضاربات، خصوصاً في سوق الكريبتو المعروف بتقلباته العنيفة.

أرباحي
أرباحي
أرباحي هي مدونة عربية تهدف إلى تمكين المستخدم العربي من فهم عالم العملات الرقمية والربح من الإنترنت بأسلوب مبسط وموثوق.
تعليقات